على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تستهدف فروع تنظيم "داعش" المنتشرة حول العالم، وتقتصر على محاربة التنظيم في العراق وسوريا؛ إلا أنها تستهدف وبشكل مستمر "ولاية خراسان"، فرع التنظيم في أفغانستان، بأشكال متعددة، كان آخرها الضربة الجوية في العاشر من أغسطس الجاري التي أسفرت عن مقتل القيادي "عبدالرحمن"، أمير إقليم "كونار"، شرق أفغانستان، إضافة إلى ثلاثة آخرين من قادة التنظيم.
الأمر الذي يطرح تساؤلًا هامًّا حول دوافع الولايات المتحدة من التركيز على استهداف "ولاية خراسان"، لا سيما في ظل تغافلها عن فروع أخرى للتنظيم، ربما تعد في نفس قوته وخطورته، كما في اليمن ونيجيريا، الأمر الذي يشير إلى تميز ذلك الفرع وخطورته، حتى يظل في مرمى النيران الأمريكية بشكل مستمر.
وكان "العدناني"، المتحدث السابق باسم "داعش"، قد أعلن في 26 يناير 2015، عن قيام ولاية "خراسان" باعتباره فرع التنظيم في أفغانستان، وقد تكوّن من بعض المجموعات المنفصلة عن حركة "طالبان" مع مجموعات أخرى من حركة "أوزبكستان الإسلامية". وفي يناير 2016، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية "ولاية خراسان" منظمة إرهابية، ورغم أن "التنظيم" يتقدم ببطء، إلا أنه يتحرك بخطى ثابتة، ويتمدد بشكل مطرد.
سمات خاصة:
يُعد فرع ولاية "خراسان" واحدًا من أقوى فروع تنظيم "داعش"، لما يتمتع به من قدرة على الانتشار والتمدد، خاصة في المناطق القبلية الباكستانية وولاية "ننجرهار"، وبعض مناطق ولاية "كونر"؛ حيث يحكم سيطرته على عدد من المناطق، ويفرض فيها قوانينه الصارمة، وهو ما كشفه من خلال إصداره المرئي "الحياة في ظل الشريعة"، الذي نشره في فبراير 2017. وحتى المناطق التي لا يحكم قبضته عليها، مثل "هلمند" و"فراه" وغيرها، تمكن التنظيم من التواجد فيها، من خلال بعض المجموعات التابعة له، حيث يستفيد من انتشار الفكر المتشدد في تلك المناطق في تجنيد عناصر جديدة.
ويتميز تنظيم "ولاية خراسان" باحترافية مقاتليه، وامتلاكهم خبرة عسكرية وتنظيمية عالية، نظرًا إلى أن معظمهم كانوا أعضاء سابقين في حركة "طالبان"، قبل أن ينشقوا عنها ويباعوا "داعش"، وهو ما سمح لهم بالقيام بعمليات نوعية ومؤثرة، والتي كان من أهمها استهداف السفارة العراقية في أفغانستان في نهاية يوليو 2017، وكان قد سبقها عمليات أخرى أكثر دموية، من أشهرها الهجوم على المستشفى العسكري في العاصمة كابول في 8 مارس 2017، مما أدى إلى مقتل 49 شخصًا، وكذلك استهدافه للمحكمة العليا، مما أسفر عن مقتل 21 شخصًا على الأقل، في فبراير 2017.
ولا يقتصر التنظيم على تلك الأهداف، فهو يستهدف أبناء الطائفة الشيعية من الهزارة، بشكل شبه مستمر، من خلال هجمات انتحارية، من أهمها: الهجوم الذي استهدف مسجدًا للشيعة في مدينة هرات غربي أفغانستان، في مطلع أغسطس 2017، مما أسفر عن مقتل ما يقرب من 30 شخصًا، وإصابة العشرات بجراح.
ومما ساعد التنظيم أيضًا في الانتشار في وقت وجيز، حتى صار منافسًا وندًّا لحركة "طالبان"، صاحبة النفوذ التقليدي في البلاد، امتلاكه منظومة دعوية غير تقليدية، مقتديًا في ذلك بالتنظيم "الأم" في العراق وسوريا، حيث حرص -إلى جانب وسائل الدعوة التقليدية- على إنشاء "إذاعات محلية"، مثل "إذاعة الخلافة" التي كانت تُبث في الأساس بالعربية والبشتونية، ثم أضافت الفارسية، قبل أن يدمرها الطيران الأمريكي في يوليو 2016، هذا إلى جانب امتلاكه مصادر متعددة للتمويل، من أهمها فرض الضرائب بمناطق النفوذ، وفرض الإتاوات والرسوم على المهربين والمزارعين والتجار.
لذا فإن فرع "ولاية خراسان" يعد حالة تنظيمية متقدمة، ولديه العديد من مقومات القوة، مما يجعله يمثل خطرًا حقيقيًّا، ليس على أفغانستان والدول المجاورة فحسب، وإنما أيضًا على القوات الأمريكية الموجودة في أفغانستان، نظرًا لأنه يضعها على قائمة أهدافه، شأنه في ذلك شأن فروع تنظيم "القاعدة" التي تَعتبر المصالح الأمريكية الهدف المفضل، وله الأولوية عن غيره، بخلاف كل الأفرع "الداعشية"، التي تعتبر العدو القريب، من رجال الجيش والشرطة في أماكن تواجدها، لهم الأولوية، على ما سواهم من العدو البعيد.
وربما هذا ما دفع التنظيم إلى شن الهجمات المختلفة على الجنود الأمريكيين، مثل الهجوم الانغماسي الذي أعلن عنه التنظيم في أبريل 2017، وقال إنه أسفر عن مقتل عدد من الجنود الأمريكيين، وما يقرب من 15 جنديًا أفغانيًّا، وكذلك هجوم آخر بالقذائف أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين في منطقة "أغز"، التابعة لمنطقة "ده بالا"، في ولاية "ننجرهار" طبقًا لما جاء في العدد (89) من مجلة "البناء" الداعشية، في يونيو 2017، والذي دعا من خلاله إلى ضرورة تكثيف الهجمات على القوات الأمريكية.
استهداف متصاعد:
نظرًا لما يمثله "ولاية خراسان" من خطورة على المصالح الأمريكية، وجنوده المرابطين في أفغانستان؛ فإن الولايات المتحدة ركزت على استهدافه بشكل متصاعد، وذلك من أجل استئصاله، أو على الأقل الحد من خطورته، وربما هذا ما دفع الجنرال "جون نيكلسون" (قائد القوات الأمريكية في أفغانستان)، في 27 أغسطس 2017، إلى "التوعد بإبادة تنظيم داعش في أفغانستان".
وتلك الخطورة التي يُمثِّلها التنظيم، دفعت الولايات المتحدة إلى شن هجمات غير تقليدية عليه، من أشهرها قصف معقل "التنظيم" في ولاية "ننجرهار" شرقي أفغانستان، في أبريل 2017، بأقوى قنبلة أمريكية غير نووية، لم تُستخدم من قبل في المعارك، وتُعرف بـ"أم القنابل"، ويبلغ ثمنها 16 مليون دولار، كما يبلغ وزنها 10000 كلجم.
ولم يقتصر الاستهداف على قصف المواقع، حيث تعداه إلى اغتيال قادة التنظيم، واحدًا تلو آخر، والذي كان آخره اغتيال القائد "أبو سيد"، خلال غارة أمريكية في الحادي عشر من يونيو 2017، والذي جاء عقب اغتيال القائد "عبدالحسيب"، نهاية أبريل 2017، والذي كان قد سبقه اغتيال القائد "حفيظ السيد خان" عام 2016.
دوافع الاستهداف:
يبدو أن هناك مجموعة من الدوافع وراء الاستهداف الأمريكي المتكرر لتنظيم "ولاية خراسان"، خاصة في ظل تعقد المشهد الأفغاني، ومحاولة تدخل بعض القوى الدولية في ذلك المشهد، مثل روسيا والصين، وبالتالي يمكن تحديد أهم هذه الأهداف في الآتي:
1- إثبات القوة والهيمنة الأمريكية: استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لـ"أم القنابل"، حمل رسالة مفادها، أنها الوحيدة التي لديها القدرة على إنهاء تنظيم "داعش" في أفغانستان دون الحاجة إلى الاستعانة بمجموعات مسلحة، في إشارة إلى رغبة "موسكو" و"بكين" في الاستعانة بحركة "طالبان" لتطهير أفغانستان من "داعش"، وأنها مستعدة لاستخدام أشرس أسلحتها لاستئصال ذلك التنظيم، وبالتالي فإن التحالف مع المجموعات الإرهابية لن يجدي، نظرًا إلى أنه سيشجع الإرهابيين على مواصلة عملياتهم في أفغانستان واستهدافهم القوات الأمريكية، وأن تجاهل الولايات المتحدة الأمريكية لن يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة.
2- حماية الجنود والمصالح الأمريكية: تسعى الولايات المتحدة من وراء ضرباتها العسكرية المتكررة للتنظيم، إلى الحد من خطورته على جنودها الموجودين في أفغانستان، في ظل تصميمه على استهداف القوات الأمريكية، لا سيما وأن هذه الخطورة يمكن أن تنتقل إلى دول الجوار، في ظل تمدده إليها، مثل أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وتركمانستان، عبر بعض المجموعات المؤيدة له في هذه الدول، مما يمكن أن يهدد المصالح في تلك الدول. ومن جهة أخرى ترغب الإدارة الأمريكية في عهد "ترامب"، في إرسال رسالة مفادها، أن أمريكا في عهد "ترامب" تختلف عنها في عهد "أوباما"، وأن الجيش الأمريكي بات أعظم قوة في العالم، ولا يستطيع أحد مواجهته أو التصدي له، فضلًا عن مهاجمة قواته أو الاعتداء عليهم، لأن الثمن سيكون باهظًا.
3- إفشال المشروع "الداعشي" في أفغانستان: في ظل التراجع الكبير لتنظيم "داعش الأم"، خاصة بعد خروجه من "الموصل" وقبلها من "حلب"، ثم هزيمته مؤخرًا في "تلعفر"، والذي يأتي بالتزامن مع تهديد المعقل الرئيسي في "الرقة"، بحيث بات مهددًا بالسقوط في يد قوات سوريا الديمقراطية؛ غالبًا ما سيسعى "التنظيم" إلى اختيار أحد فروعه القوية، خاصة فرع "ولاية خراسان"، ليكون "دار الخلافة" الداعشية الجديدة، مما سيمثل خطرًا كبيرًا، ليس على أفغانستان فحسب، بل على المنطقة بأكملها، كونه سيجعل من أفغانستان بؤرة جاذبة للإرهابيين من بلاد العالم، كما كان في سوريا والعراق، لذا ترغب الولايات المتحدة في قطع الطريق على هذا المشروع الداعشي، وإفشاله قبل أن يستفحل ولا يمكن السيطرة عليه.
4- الحد من الانتشار الجغرافي: تسعى الولايات المتحدة الأمريكية، من وراء تكثيف ضرباتها لمعاقل تنظيم "داعش" في أفغانستان، إلى الحد من انتشاره الجغرافي، لا سيما في ظل حالة النشاط التي انتابته خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد الهجوم على "تورا بورا"، وانتزاعها من سيطرة حركة طالبان، وهو ما كشف بوضوح عن رغبة التنظيم في توسيع الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها، وهو ما تشير إليه تصريحات "أبو عمر الخراساني"، أحد قادة التنظيم، عقب الهجوم على "تورا بورا"، والذي صرح في يونيو 2017 بأن "الاستيلاء عليها ليس النهاية، وإنما هو مجرد بداية للاستيلاء على مزيدٍ من الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، من أجل تحقيق حلم الدولة، على غرار دولة التنظيم في العراق وسوريا".
5- تعزيز سلطة الرئيس الأفغاني: تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز سلطة الرئيس الأفغاني "أشرف غني"، الذي يسعى إلى خلق حالة من الاستقرار، مما سيساهم في القضاء على التنظيمات الإرهابية، وذلك من خلال الدفع باتجاه المشاركة السياسية، لذا باركت الولايات المتحدة الاتفاق السياسي بين الرئيس "غني" و"حكمتيار"، في مايو 2017، بهدف تعزيز سلطة الرئيس، حتى يتمكن من ضم باقي الأطراف إلى العملية السياسية، وهذا ما يدفعها إلى الضغط على حركة طالبان لقبول التفاوض مع الحكومة الأفغانية.
من هذا المنطلق، تسعى الولايات المتحدة إلى القضاء على المجموعات الرافضة للعملية السياسية، والتي تتمثل في تنظيم "داعش" الذي يرفض العمل السياسي والحزبي بشكل كامل، ويرى أنه من "الكفر البواح"، بخلاف "طالبان" التي تمتلك قدرًا من المرونة في هذا الاتجاه.
حملة طويلة:
أخيرًا، وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية تركز على استهدف تنظيم "ولاية خراسان"، لما يمثله من خطورة على وجودها في أفغانستان، خاصة في ظل دعوته المستمرة لاستهداف قواتها ومصالحها، لا سيما في ظل عدم وجود أي نوعٍ من المرونة لديه تسمح له بالتواصل معها، ومن جهة ثانية تعتقد الولايات المتحدة أن "خراسان" يعد الفرع الذي لديه القدرة والرغبة في إحياء الخلافة الداعشية حال سقوطها بالعراق وسوريا، وبالتالي سيبقى الاستهداف الأمريكي لتنظيم "ولاية خراسان" ما دام يمثل خطرًا على المصالح الأمريكية، غير أن التنظيم -في المقابل- أثبت أن لديه قدرة عالية على امتصاص الضربات، مما يعني أن القضاء عليه ليس بالأمر اليسير، وربما يحتاج إلى وقت طويل.